• 0
  • 0
  • 0
  • 0
عنادل تم النشر منذ 3 سنوات في كتب صوتية

رمَضانِيَّات | دستور الأخلاق

يقول محمد الغزالي في كتابه (جدد حياتك):

"والمربون الأوائل من علماء الإسلام لهم جهاد هائل في قيادة النفوس إلى الحق، وتخليصها من غرائز السوق التي تثقل بها إلى الحضيض.
لقد وضعوا طرائق للرياضة النفسية تعُدُّ من أبدع الدساتير في عالم الأخلاق، وهم يوصون مدمني الشهوات بملاحظة الأمور الآتية، وهي كفيلة بتخليص أسير الهوى من براثن الشيطان عندما يغريه بمواقعة المعصية:
الأول: عزيمة حر تغار لنفسه وعليها.
الثاني: جرعة صبر يحمل نفسه على مراراتها تساعة الإغراء.
الثالث: قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة، والشجاعة كلها صبر ساعة، وخير العيش ما أدركه العبد بصبره.
الرابع: ملاحظة حسن موقع العاقبة،والشفاء بتلك الجرعة.
الخامس: ملاحظته أن ما ينشأ عن الهوى من ألم أشد مما يحسه المرء من لذة.
السادس: إبقاؤه على منزلته عند الله تعالى، وفي قلوب عباده، وهو خير وأنفع له من لذة مرافقة الهوى.
السابع: إيثار لذة العفة وعزّتها وحلاوتها على لذة المعصية.
الثامن: فرحه بغلبة عدوِّه وقهره له، ورده خائبًا بغيظه وغمِّه وهمِّه، حيث لم ينل أمنيته.
التاسع: التفكير في أنه لم يُخلق للهوى، وإنما هُيِّئ لأمرٍ عظيم لا يناله إلا بمعصية الهوى.
العاشر: أن يكره لنفسه أن يكون الحيوان البهيم أحسن حالًا منه، فإن الحيوان يميز بطبعه بين مواقع ما يضره وما ينفعه، فيؤثر النافع على الضار، والإنسان أُعطي العقل لهذا المعنى.
الحادي عشر: أن يسير بفكره في عواقب الهوى، في تأمل كم أفاتت عليه معصيته من فضيلة، وكم أوقعته في رذيلة، وكم أكلةٍ منعت أكلات، وكم من لذة فوتت لذات، ومن شهوة كسرت جاهًا، ونكَّست رأسًا، وقبَّحت ذِكرًا، وأورثت ذمًّا، وألزمت عارًا لا يغسله الماء، غير أن عين الهوى عمياء.
الثاني عشر: أن يتصور العاقل انقضاء غرضه ممن يهواه ثم يتصور حاله بعد انقضاء الوطر، وما فاته وما حصل له.
الثالث عشر: أن يتصور ذلك في حق غيره حقَّ التصور، ثم ينزل نفسه تلك المنزلة، فحكم الشيء حكم نظيره.
الرابع عشر: أن يتفكر فيما تطالبه به نفسه من ذلك، ويسأل عنه عقله ودينه، يخبرانه بأنه ليس بشيء.
الخامس عشر: أن يأنف لنفسه من ذل طاعة الهوى، فإنه ما أطاع أحد هواه إلا وجد في نفسه ذلًّا، ولا يغتر بصولة أتباع الهوى وكِبْرهم، فم أذل الناس بواطن، وقد جمعوا بين الكِبر والذل.
الساس عشر: أن يوازن بين سلامة الدين والعِرض والمال والجاه، وبين نَيْل اللذة المطلوبة، فإنه لا يجد بينهما نسبة البتة، فليعلم أنه من أسفه الناس ببيعه هذا بهذا.
السابع عشر: أن يأنف لنفسه أن يكون تحت قهر عدوه، فإن الشيطان إذا رأى من العبد ضعف عزيمة، وسقوط همة، ومَيلًا إللى هواه، طمع فيه وصرعه وألجمه بلجام الهوى، وساقه حيث أراد، ومتى أحس منه بقوة عزم وشرف نفس وعلوِّ همة، لم يطمع فيه إلا اختلاسًا وسرقة.
الثامن عشر: أن يعلم أن الهوى ما خالط شيئًا إلا أفسده، فإن وقع في العلم أخرجه إلى البِدعة والضلالة، وصار صاحبه من جملة أهل الأهواء، وإن وقع في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء ومخالفة السنة، وإن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم وصده عن الحق، وإن وقع في القسمةخرجت عن قسمة العدل إلى قسمة الجور، وإن وقع في الولاية والعزل أخرجصاحبه إلى خيانة الله والمسلمين حيث يولي بهواه ويعزل بهواه، وإن وقع في العبادة خرجت عن أن تكون طاعة وقُربة، فما قارن الهوى شيئًا إلا أفسده.
التاسع عشر: أن يعلم أن الشيطان ليس له مدخل على ابن آدم إلا من باب هواه، فإنه يطيف به ليعرف أين يدخل عليه حتى يفسد قلبه وأعماله، فلا يجد مدخلًا إلا من باب الهوى، فيسريمنه سريان السم في الأعضاء.
العشرون: أن يتذكر أن مخالفة الهوى تورث العبد قوة في بدنه، وقوة في لسانه، وإن أغزر الناس مروءة أشدهم مخالفة لهواه، وأنه ما من يوم إلا والهوى والعقل يعتلجان، فأيهما قوي على صاحبه طرده وتحكَّم، وكان الحكم له، وأن الله سبحانه جعل الخطأ واتباع الهوى قرينَيْن، وجعل الصواب ومخالفة الهوى قرينَيْن.
الحادي والعشرون: أن يعرف أن الهوى تخليط ومخالفته حمْية، وأنه يُخاف على من أفرط في التخليط وجانب الحِمْية أن يصرعه داؤه، وأن الهوى رِقّ في القلب وغُلٌّ في العنق وقيد في الرجل، ومتابعه أسير، فمن خالفه عتق من رقّه وصار حرًّا، وخلع الغُل من عنقه، والقيد من رجله، واستطاع مسايرة الصالحين."

أداء عاصم السيد
------------------------------------------------------------------
جميع الحقوق محفوظة لدى عنادل 2020
تابعنا على وسائل التواصل الاجتماعي عبر الروابط الآتية
www.facebook.com/aanadel
www.youtube.com/aanadel
www.instagram.com/aanadelhome

مميزات اضافية
58

:: / ::