قصيدة "وصية لاجئ"
للشاعر هاشم الرفاعي
صوت عاصم السيد
أنا يا بُنيَّ غدا سيطوينـي الغسـق
لم يبق من ظل الحياة سوى رمـق
وحطام قلب عاش مشبـوبَ القلـق
قد أشرق المصباح يومـا واختنق
جفَّـت بـه آمالـه حتـى احترق
فإذا نفضت غبار قبري عـن يـدك
ومضيت تلتمس الطريق إلى غـدك
فاذكر وصية لاجئ تحـت التـراب
سلبـوه آمـال الكهولـة والشبـاب
مأساتنـا مأسـاة ناس أبريـاء
وحكاية يغلـي بأسطرهـا الشقـاء
حملت إلى الآفـاق رائحـة الدمـاء
و جريمتي كانت محاولة البقاء
أنا ما اعتديت ولا ادخرتك لاعتداء
لكـن لـثـأر نبـعـه دام هـنـا
بين الضلوع جعلتـه كـل المنـى
وصبغت أحلامي به فوق الهضـاب
وظمئت عمري ثم مت بلا شـراب
كانت لنـا دار وكـان لنـا وطـن
ألقت بـه أيـدي الخيانـة للمحـن
وبذلـت فـي إنقـاذه أغلـى ثمـن
بيدي دفنت أخـاك فيه بـلا كفـن
إلا الدماء ومـا ألـم بـي الوهـن
إن كنت يوما قـد سكبـت الأدمعـا
فلأننـي حمِّلـت فقدهـمـا مـعـا..
جرحان في جنبي ثكـل واغتـراب
ولد أُضِيع وبلـدة رهـن العـذاب
تلك الربوع هناك قد عرفتك طفـلا
يجني السنا والزهر حين يجوب حقلا
فاضت عليك رياضها ماء وظـلا
واليوم قد دهمت لك الأحداث أهـلا
ومروجك الخضراء تحني الهام ذلا
هم أخرجوك فعد إلى من أخرجـوك
فهناك أرض كان يزرعهـا أبـوك
قد ذقت من أثمارها الشهـدَ المـذاب
فـإلامَ تتركهـا لألسنـة الحـراب
إن جئتها يوما وفي يـدك السـلاح
وطلعت بين ربوعها مثل الصبـاح
فاهتف على سمع الروابي والبطـاح
إنِّي أنا الأمس الذي ضمََدَ الجـراح
لبيك يا وطني العزيـز المستبـاح
أولستَ تذكرنـي أنـا ذاك الغـلام
من أحرقوا مأواه في جنـح الظـلام
بلهيب نار حولها رقـص الذئـاب
لفَّت حياتي بالدخـان وبالضبـاب
لا تبكينَّ فما بكـت عيـن الجنـاة
هي قصة الطغيان من فجر الحيـاة
فارجع إلى بلد كنوز أبـي حصـاه
قد كنت أرجو أن أموت على ثـراه
أمل ذوى ما كان لـي أمـل سـواه
فإذا نفضت غبار قبري عـن يـدك
ومضيت تلتمس الطريق إلى غـدك
فاذكر وصية لاجئ تحـت التـراب
سلبـوه آمـال الكهولـة والشبـاب